ولد بالمدينة يوم الاثنين الثالث من صفر سنة 57 سبع وخمسين من الهجرة، وقيل غرة رجب.
امه (عليه السلام) ام عبد اللّه فاطمة بنت الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، وهو هاشمي من هاشميين وعلويّ من علويين.
روي عن ابي جعفر (عليه السلام) قال كانت أمي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار، وسمعنا هدّة شديدة فقالت بيدها لا وحق المصطفى (صلوات اللّه عليه وآله) ما اذن اللّه لك في السقوط فبقي معلقاً حتى جازته، فتصدق عنها ابي بمئة دينار.
وذكرها الصادق (عليه السلام) يوماً فقال: كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها.
سمي ابو جعفر (عليه السلام) باقراً لأنه بقر العلم بقراً أي شقه شقاً واظهره اظهاراً.
116
وقال السبط بن الجوزي سمِّي الباقر من كثرة سجوده(1) بقر السجود جبهته، أي فتحها ووسعها، وقيل لغزارة علمه.
قال الجوهري في الصحاح: التبقر التوسع في العلم.
وكان يتختم (عليه السلام) بخاتم جده الحسين (عليه السلام) ونقشه: ان اللّه بالغ امره.
ورُوي في وصف علمه (عليه السلام) عن عبد اللّه بن عطا المكي قال: ما رأيت العلماء عند احد قط اصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام)، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلمه، وكان جابر بن يزيد الجعفي اذا روى عن محمد بن عليّ (عليه السلام) شيئاً يقول: حدثني وصيُّ الاوصياء ووارث علوم الانبياء محمد بن عليّ بن الحسين (صلوات اللّه عليهم).
وعن محمد بن مسلم قال ما شجر في دائي(2) شيء قط الا سألت عنه ابا جعفر (عليه السلام) حتى سألته عن ثلاثين الف حديث وسألت ابا عبد اللّه (عليه السلام) عن ستة عشر الف حديث.
وروي في حديث عن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: اذا مضى الحسين (عليه السلام) قام بالأمر بعده عليّ ابنه (عليه السلام) وهو الحجة والإِمام ويخرج اللّه من صلب عليّ ولداً سميي واشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، وهو الإِمام والحجة بعد ابيه.
وروي عن الباقر (عليه السلام) قال: لو وجدت لعلمي لنشرت التوحيد والإِسلام والدين والشرائع من الصمد، وكيف لي ولم يجد جدّي امير المؤمنين (عليه السلام) حَمَلَةً لعلمه.
________________________
(1)اذ. ظ.
(2) أي ما خلج في خاطري وبالي.
117
وبالجملة اظهر (عليه السلام) من مخبآت(1) كنوز المعارف وحقائق الاحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى الا على منطمس البصيرة، وفاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل هو باقر العلوم وشاهرها.
وكانت الشيعة قبل ان يكون ابو جعفر (عليه السلام) وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان ابو جعفر (عليه السلام) ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون اليهم من بعد ما كانوا يحتاجون الى الناس.
قال الشيخ المفيد ولم يظهر عن احد من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الادب ما ظهر عن ابي جعفر (عليه السلام) وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل علماً لأهله تضرب به الامثال، وتصير بوصفه الآثار والأشعار، وفيه يقول القرطبي:
يا باقر العلم لأهل التّقى*** وخير من لبّى على الاجبُلِ(2)
وروى عن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن ابيه (عليهما السلام) قال: دخلت على جابر بن عبد اللّه الانصاري (رحمه اللّه) فسلمت عليه فرد عليَّ السلام ثم قال لي: من انت وذلك بعد ما كفّ بصره، فقلت محمد بن عليّ بن الحسين (عليه السلام) فقال يا بنيّ ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم اهوى الى رجلي يقبلهما، فتنحيت عنه، ثم قال لي ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقرئك السلام، فقلت وعلى رسول اللّه السلام ورحمة اللّه
_____________________
(1) أي المختفيات.
(2) وقال ابن حجر مع نصبه وشدة عداوته في الصواعق في حقه (عليه السلام) هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه صفا قلبه وذكا علمه وعمله وطهرت نفسه وشرف خلقه وعمرت اوقاته بطاعة اللّه وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة. انتهى كلام ابن حجر (منه).
118
وبركاته، وكيف ذلك يا جابر، فقال كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك تبقى حتى تلقى رجلاً من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) يهب اللّه له النور والحكمة فأقرئه مني السلام.
وروى الشيخ الكليني في كتاب الاطعمة من الكافي عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالساً في مسجد الرسول (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اذ اقبل رجل فسلم فقال: من انت يا عبد اللّه، قلت: رجل من اهل الكوفة فقلت ما حاجتك فقال لي: اتعرف ابا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فقلت نعم، فما حاجتك اليه قال هيأت له اربعين مسألة اسأله عنها، فما كان من حق اخذته وما كان من باطل تركته، قال ابو حمزة، فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل، قال نعم فقلت له فما حاجتك اليه، اذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل فقال لي: يا اهل الكوفة انتم قوم ما تطاقون اذا رأيت ابا جعفر فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتى اقبل ابو جعفر (عليه السلام) وحوله اهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج، فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريباً منه، قال ابو حمزة فجلست حيث اسمع الكلام وحوله عالم من الناس، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت الى الرجل، فقال له من انت قال: انا قتادة بن دعامة(1) البصري فقال له ابو جعفر (عليه السلام) انت فقيه اهل البصرة، قال نعم، فقال أبو جعفر (عليه السلام) ويحك يا قتادة ان اللّه جل وعز خلق خلقاً من خلقه، فجعلهم حججاً على خلقه، فهم اوتاد في ارضه، قوام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه اظلة عن يمين عرضه، قال فسكت قتادة طويلاً، ثم قال: اصلحك اللّه واللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس، فما اضطراب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، قال له ابو جعفر (عليه السلام) ويحك تدري اين انت، انت بين يدي بيوت أذِنَ اللّه ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر
_______________________
(1) بكسر الدال (منه).
119
اللّه، واقام الصلاة وايتاء الزكاة، فانت ثم(1) ونحن اولئك، فقال له قتادة صدقت واللّه جعلني اللّه فداك واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين، قال قتادة فاخبرني عن الجبن فتبسم ابو جعفر (عليه السلام)، ثم قال رجعت مسائلك الى هذا قال ضلت عليّ فقال لا بأس به. الحديث.
—————————————————————
(1) بفتح الثاء.