كان علي بن الحسين (عليه السلام)، ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر(2) من الدنانير والدراهم، وربما حمل على ظهره الطعام او الحطب، حتى يأتي باباً باباً، فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه، وكان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير، ولما وضع على المغتسل نظروا الى ظهره، وعليه مثل ركب الابل، وكان يعول مئة اهل بيت من فقراء المدينة، وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والزمنى والمساكين، وكان يناولهم بيده ويحمل الطعام لمن كان له عيال الى عياله، وكان اذا جنَّه الليل وهدأَت(4) العيون، قام الى منزله، فجمع ما يبقى فيه عن قوت اهله، وجعله في جراب ورمى به على عاتقه، وخرج الى دور الفقراء وهو متلثم، ويفرق عليهم.
_________________________
(2) الصرر. جمع صرة.
(3) جمع زمن ككتف : المقعد.
(4) أي سكنت ونامت.
99
وروي عن علي بن يزيد قال : كنت مع عليّ بن الحسين (عليه السلام) عندما انصرف من الشام الى المدينة، فكنت احسن الى نسائه واقضي حوائجه فلما نزلوا المدينة، بعثن الي بشيء من حليهن فلم آخذه فقلت : فعلت هذا للّه تعالى، فأخذ علي بن الحسين (عليه السلام) حجراً اسود صماً(1) فطبعه بخاتمه ثم قال لي خذه وسل كل حاجة لك منه فوالذي بعث محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالحق لقد كنت اسأَله الضوء في البيت فيسرج في الظلماء وأضعه على الاقفال فتنفتح وآخذه بيدي وأقف بين يدي السلاطين فلا أرى منهم شراً.
قال شيخنا الحر العاملي مشيراً الى هذه المعجزة :
والحجرُ الاسودُ لما طَبَعه*** أرى عجيباً الذي كان مَعَه
وكم له من معجزٍ وفضلٍ*** وشرفٍ بادٍ وقولٍ فصلِ
وروى معتب(2) عن الصادق (عليه السلام) قال كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) شديد الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم وليله قائم، فأضر بجسمه فقلت له: يا ابه كم هذا الدؤب(3) فقال له : أتحبب الى ربي لعله يزلفني.
وعن دعوات الراوندي عن الباقر (عليه السلام) قال : قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) مرضت مرضاً شديداً، فقال لي ابي (عليه السلام) : ما تشتهي، فقلت : اشتهي ان اكون ممن لا اقترح على اللّه ربي ما يدبره لي، فقال لي احسنت، ضاهيت(4) ابراهيم الخليل (عليه السلام) حيث قال جبرائيل : هل من حاجة، فقال : لا اقترح على ربّي بل حسبي اللّه ونعم الوكيل، (اقول الاقتراح الاجتباء والاختيار والتحكم وارتجال الكلام).
__________________________
(1) أي شديد الصلابة.
(2) كمؤيد.
(3) جمع دأب وهو الحالة الخاصة.
(4) أي شابهته.
100
ورُويَ انه ضرب غلاماً له، قرعه بسوط، ثم بكى وقال لابي جعفر (عليه السلام) : اذهب الى قبر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فصلّ ركعتين ثم قل : اللهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين، ثم قال للغلام اذهب فانت حر لوجه اللّه.
ورُويَ انه قيل له (عليه السلام) انك أبرّ الناس ولا تأكل مع امك في قصعة، وهي تريد ذلك، قال اكره ان تسبق يدي الى ما سبقت اليه عينها فاكون عاقّاً لها.
اقول الظاهر ان المراد من امه هي هنا ام ولد كانت تحضنه فكان يسميها اماً، واما امه شاه زنان فقد توفيت في نفاسها.
وعنه (عليه السلام) كان يدعو خدمه كل شهر ويقول اني قد كبرت ولا اقدر على النساء فمن اراد منكن التزويج زوجتها، او البيع بعتها، او العتق اعتقتها، فاذا قالت احداهن: لا قال: اللهم اشهد حتى يقول ثلاثاً وان سكتت واحدة منهن قال لنسائه سلوها ما تريد، وعمل على مرادها، وكان اذا اتاه السائل قال : مرحباً بمن يحمل زادي الى الآخرة.
قال ابن الاثير في الكامل، لما سير يزيد مسلم بن عقبة الى المدينة قال : فاذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثاً، فكل ما فيها من مال او دابة او سلاح او طعام فهو للجند، فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس وانظر عليّ بن الحسين فاكفف عنه، واستوص به خيراً فانه لم يدخل مع الناس وانه قد اتاني كتابه.
وقد كان مروان بن الحكم، كلَّم ابن عمر لما اخرج اهل المدينة عامل يزيد وبني امية في ان يغيب اهله عنده فلم يفعل، فكلم علي بن الحسين (عليه السلام) فقال ان لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك، فقال : افعل، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان، وحرمه الى علي بن الحسين (عليه السلام)، فخرج علي (عليه السلام) بحرمه وحرم مروان الى
101
ينبع(1)، وقيل بل ارسل حرم مروان وارسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي الى الطائف.
وروي عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال : كان بالمدينة رجل بطّال يضحك اهل المدينة من كلامه، فقال: يوماً لهم: قد اعياني هذا الرجل يعني عليّ بن الحسين (عليه السلام)، فما يضحكه مني شيء ولا بد من ان احتال في ان اضحكه، قال فمر علي بن الحسين (عليه السلام) ذات يوم ومعه موليان له فجاء ذلك البطَّال حتى انتزع رداءه من ظهره واتبعه الموليان فاسترجعا الرداء منه والقياه عليه وهو مخبت(2) لا يرفع طرفه من الارض ثم قال لمولييه ما هذا فقالا له رجل بطّال يضحك اهل المدينة ويستطعم منهم بذلك، قال فقولا له يا ويحك ان للّه يوماً يخسر فيه البطّالون.
——————————————————————
(1) ينبع. بفتح اوله وضم الثالث حصن وقرية على يمين رضوى لمن كان منحدراً من اهل المدينة الى البحر وهي لبني الحسن بن علي (عليه السلام) وفيها عيون عذاب.
(2) أي متخشع ومطمئن الى الأرض.