ولد (عليه السلام) بالمدينة آخر شهر ربيع الاول سنة ثلاث من الهجرة كما اختار ذلك المفيد في المقنعة، والشيخ(1) في يب، والشهيد(2) في الدروس، والبهائي في تاريخه(3) وصاحب(4) كشف الغطاء وغيرهم، وهذا يوافق ما رواه الكليني عن ابي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان بين الحسن والحسين طهر وكان بينهما في الميلاد ستة اشهر وعشراً حيث اراد بالطهر مقدار اقل زمان الطهر، وهو عشرة ايام، وروى ايضاً لم يكن بين الحسن والحسين (عليهما السلام) الا طهر واحد، وان مدة حمل الحسين (عليه السلام) ستة اشهر، ولكن المشهور انه ولد (عليه السلام) في ثالث شعبان واختاره الشيخان(5) في مسار الشيعة، والمصباح، وهو يوافق التوقيع الشريف.
__________________________
(1) أي شيخ الطائفة. محمد بن الحسن الطوسي (رحمه اللّه) في التهذيب.
(2) كلما ذكر الشهيد مطلقتً او بقيد الأول فهو الشهيد الأول ابو عبد اللّه محمد بن المكي العالمي المتوفى سنة 786 هجري. راجع ترجمته في الكنى والالقاب.
(3) المسمى بتوضيح المقاصد. وقد طبع بمصر منضماً الى شرح القصيدة الذهبية.
(4) هو الشيخ الكبير الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر النجفي. فقيه زمانه. توفي (رحمه اللّه) سنة 1228 هجري. وقد ذكر في مقدمة كتابه كشف الغطاء مواليد الأئمة ووفياتهم.
(5) أي الشيخ المفيد والشيخ الطوسي (رحمهما اللّه).
85
وروي عن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) انه صلى الظهر يوماً، فرأى جبرائيل (عليه السلام) فقال: اللّه اكبر، فاخبره جبرائيل برجوع جعفر من ارض الحبشة، فكبر ثانياً، فجاءت البشارة بولادة الحسين (عليه السلام) فكبر ثالثاً، اورده صاحب جواهر الكلام في اواخر مبحث التعقيب.
وروي ان اللّه تعالى هنأ النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بحمل الحسين وولادته وعزّاه بقتله فعرفت فاطمة (عليها السلام) فكرهت ذلك، فنزلت حملته امه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً.
اقول الذي يظهر لي من بعض اخبار اللوح، ان مولاتنا فاطمة (عليها السلام) لما اغتمت بولادة الحسين (عليه السلام) اعطاها ابوها اللوح ليسرها بذلك، والخبر هذا:
روى الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قال ابي لجابر بن عبد اللّه الانصاري: ان لي اليك حاجة فمتى يخف عليك ان اخلو بك فاسألك عنها، قال له جابر في أي الاوقات شئت، فخلا به ابي (عليه السلام) فقال له يا جابر: اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي امي فاطمة بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وما اخبرتك به امي، ان في ذلك اللوح مكتوباً قال جابر: اشهد باللّه اني دخلت على امك فاطمة (صلوات اللّه عليها) في حياة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) اهنئها بولادة الحسين (عليه السلام)، فرأيت في يدها لوحاً اخضر ظننت انه زمرد ورأيت فيه كتاباً ابيض شبه نور الشمس فقلت لها، بأبي انت وامي، يا بنت رسول اللّه، ما هذا اللوح فقالت: هذا اللوح اهداه اللّه عز وجل، الى رسوله، فيه اسم ابي واسم بعلي واسم ابنيّ واسماء الاوصياء من ولدي، فاعطانيه ليسرني بذلك، قال جابر: فاعطتنيه امك فاطمة فقرأته وانتسخته فقال ابي (عليه السلام): فهل لك يا جابر ان تعرضه عليّ قال نعم فمشى معه ابي (عليه السلام) حتى انتهى الى منزل جابر، فاخرج الى ابي صحيفة
86
من رق، قال جابر فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزير العليم لمحمد نوره وسفيره(5) الى آخره...
ورُوى انه لما ولد الحسين (عليه السلام) امر اللّه تعالى جبرائيل ان يهبط في ملأ من الملائكة فيهنئ محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس، بعثه اللّه في شيء فأبطأ فكسر جناحه، فالقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمئة عام، فقال فطرس لجبرائيل، الى اين فقال: الى محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال احملني معك لعله يدعو لي، فلما دخل جبرائيل واخبر محمداً (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بحال فطرس قال له النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم): قل له يتمسح بهذا المولود فتمسح فطرس بمهد الحسين (عليه السلام) فاعاد اللّه عليه في الحال جناحه، ثم ارتفع مع جبرائيل الى السماء . وفي بعض الروايات ان الملك كان اسمه صلصائيل فلما قصوا على النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) قصته، قام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فدخل على فاطمة صلوات اللّه عليها) فقال: ناوليني ابني الحسين فأخرجته اليه مقموطاً يناغي(2) جده رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فخرج به الى الملائكة فحمله على بطن كفه فهللوا وكبروا وحمدوا اللّه تعالى واثنوا عليه، فتوجه به الى القبلة نحو السماء فقال: اللهم اني اسألك بحق ابني الحسين ان تغفر لصلصائيل خطيئته وتجبر كسر جناحه، وترده الى مقامه مع الملائكة المقربين، فتقبل اللّه تعالى من النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ما أقسم به عليه، وغفر لصلصائيل خطيئته وجبر كسره، ورده الى مقامه مع الملائكة المقربين.
_____________________
(1) والخبر مذكور بتمامه في البحار ج 13 . وفي الكافي.
(2) ناغى الرجل للصبي أي كلمه بما يعجبه ويسره.
87
وفي مدينة المعاجز قال ولم يبق ملك في السماء الا ونزل على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يعزيه بولده الحسين (عليه السلام)، ويخبرونه بثواب ما يعطى من الزلفى والأجر والثواب يوم القيامة ويخبرونه بما يعطى من الاجر زائره والباكي عليه والنبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) مع ذلك يبكي ويقول اللهم اخذل من خذله، واقتل من قتله، ولا تمتعه بما أمَّله في الدنيا، واصله(1) حر نارك في الآخره.
—————————————————
(1) أي ادخله في النار واذقه منها.