قال ابن كثير رحمه الله (1)، فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللاً لهم يجرونها من جرة وخواتم ذهب ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله r فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام ، وتصدروا الكلام نهاراً طويلاً فلم يكلمهم وعليهم تلك الحللُ والخواتم الذهب ، فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانوا يعرفونهما فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس، فقالوا : يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلّمنا عليه فلم يرد سلامنا وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكماً ؟
أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال: علي لعثمان وعبد الرحمن أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إليه،ففعلوا فسلموا فرد سلامهم ، ثم قال: "والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم"، ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا ما تقول في عيسى فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يسرنا إن كنت نبياً أن نسمع ما تقول فيه ، فقال رسول الله r : (ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى )، فأصبح الغد وقد أنـزل الله U هذه الآية)إن مثل عيسى عند الله كمثل أدم خلقة من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين((2)،فأبوا أن يقرّوا بذلك . فلما أصبح رسول الله r الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يومئذٍ عدة نسوة،فقال شرحبيل لصاحبيه : قد علمتما أن الوادي إذا أجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأي ، وإني والله أرى أمراً ثقيلاً ، والله ليئن كان هذا الرجل ملكاً مستقوياً فكنا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابة حتى يصيبونا بجائحة وإنا أدنى العرب منهم حواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبياًَ مرسلاً فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك ، فقال له صاحباه :فما الرأي يا أبا مريم ؟ فقال رأيي أن أحكمه فأني أرى رجلاُ لا يحكم شططاً أبداً فقالا له:
أنت وذلك، قال فتلقى شرحبيل رسول الله r فقال:إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك فقال : ما هو؟، قال: حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح ، فما حكمك فينا فهو جائز ، فقال رسول الله r:لعل وراءك أحد يثرب عليك ؟فقال شرحبيل : سل صاحبيَّ ، فقالا: ما يرد الوادي ويصدر إلا عن رأي شرحبيل ، فرجع r فلم يلاعنهم حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم هذا الكتاب : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما كتب محمد النبي الأمي رسول الله لنجران أن كان عليهم حكمه في كل صفراء وبيضاء ورقيق فأفضل عليهم وترك ذلك كله على ألفي حله في رجب ألف حلة وفي كل صفر ألف حلة ، وذكر تمام الشروط .
2) دعوة عدي بن حاتم :
جاء في صحيح البخاري "وفد طيء وحديث عدي بن حاتم قال : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عبد الملك بن عمير عن عمرو ابن حريث عن عدي بن حاتم من حديث طويل جاء فيه :" قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله r المدينة فدخلتُ عليه وهو في مسجده فسلمت عليه فقال : من الرجل ؟ فقلت عدي بن حاتم ، فقام رسول الله r وانطلق بي إلى بيته ؛ فوالله إنه لعامد بي إليه إذا لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها ، قال فقلت في نفسي والله ما هذا بملك ، قال ثم مضى بي رسول الله r حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفاً فقدمها إلي فقال اجلس على هذه ، قال قلت بل أنت فاجلس عليها ،قال بل أنت ، فجلست وجلس رسول الله r بالأرض ، قال قلت في نفسي والله ما هذا بأمر ملك ، ثم قال إيه عدي بن حاتم ألم تك ركوسياً (أي من النصارى والصابئين )؟قلت بلى ، قال : ألم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟قال قلت بلى ، قال : فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك ، قال قلت : أجل والله ، قال وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يُجهل ،ثم قال :لعلك يا عدي ما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم "
قال : فأسلمت ، فكان عدي يقول مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت .
وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لايجد من يأخذه "(3).
لقاء النبي r مع الجارود ابن عمرو :
قال أبن هشام الجارود ابن بشر ابن المعلى في وفد عبد القيس وكان نصرانيا؛قال أبن إسحاق حدثني من لا أتهم عن الحسن قال لما أنتها إلى رسول الله r كلمه فعرض عليه رسول الله r الإسلام ودعاة إليه ورغبه فيه فقال يا محمد إني قد كنت على ديني وإني تارك ديني لدينك، أفتضمن لي ديني؟ فقال رسول الله r : نعم ، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه. قال فأسلم وأسلم أصحابه ، ثم سأل رسول الله r الحملان (أي الدواب) فقال: والله ما عندي ما أحملكم عليه.
قال : يا رسول الله فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ، قال: لا إياك وإياها ، تلك حراق النار(4) .
دعوته r للحصين بن عبيد والد عمران بن حصين y:
وهو الحصين بن عبيد بن خلف الخز اعي والد عمران بن حصين(5)،وقد أخرج الترمذي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله r لأبي :يا حصين كم تعبد اليوم إلهاً؟،قال: سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء، قال :فأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك؟،قال : الذي في السماء.
قال : يا حصين أما إنك لو أسلمت لعلمتك كلمتين ينفعانك ، قال : فلما أسلم حصين قال : يا رسول الله ، علمني الكلمتين اللتين وعدتني ، قال : قال : اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي(6).
دعوته r لضماد بن ثعلبة y :
وهو من أزدشنوه وكان رجلاً يتطبب ويرقي ويطلب العلم ؛أسلم أول الإسلام(7)،وجاء في صحيح مسلم عن ابن عباس: أن ضماداً قدم مكة وكان من أزدشنوه وكان يرقي من هذه الريح(
، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون : إن محمداً مجنون ، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي ، قال : فلقيته ،
فقال : يا محمد إني أرقي من هذه الريح : وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك؟ فقال رسول الله r :إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله ، أما بعد ، قال فقال : أعد علي كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله r ثلاث مرات ، قال فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة ، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس(9) البحر،فقال : هات يدك أبايعك على الإسلام ،قال فبايعته ،فقال رسول الله r: وعلى قومك،قال وعلى قومي ،قال :فبعث رسول الله r سرية فمروا بقومه ،فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئاً ؟ فقال رجل من القوم : أصبت منهم مطهرة(10)،فقال :ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد(11).
نماذج من كتاباته r التي أرسلها للدعوة إلى " لا إله إلا الله ":
1) كتب النبي r إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة وقد كان نصرانياً (12)وملك على بني حنيفة في اليمامة من نجد وكان شاعرها وخطيبها قبل الإسلام وفي العهد النبوي وكان يحمي قوافل كسرى التي تمر من بلاده ، وكان أحد عملائه ؛ فبعث النبي r إليه الصحابي سليط بن عمر بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام جاء فيه:" بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي : سلام على من اتبع الهدى ،وأعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر ، فاسلم تسلم ، وافعل لك ما تحت يدك "(13).
وقدم سليط بكتاب النبي r إلى هوذة فأنـزله وحباه وقرأ كتاب النبي r ورد عليه رداً دون رد وكتب إلى النبي r : ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم ، والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر أتبعك " ،ومات هوذة في السنة الثامنة للهجرة عام الفتح(14).
دعوة المقوقس
روى البيهقي(15) عن طريق عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال : بعثني رسول الله r إلى المقوقس ملك الإسكندرية ، قال : فجئته بكتاب رسول الله r فأنـزلني في منـزله وأقمت عنده ثم بعث إلى وقد جمع بطانته وقال : إني سائلك من كلام فأحب أن تفهم عني، قلت هلم، قال : أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي ؟ قلت بلى! هو رسول الله r ، فقال : فماله حيث كان هكذا لم يدعُ على قومه حيث أخرجوه من بلدة إلى غيرها؟ قال فقلت : عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال بلى. قلت فماله حيث أخزوه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعة الله إلى السماء الدنيا. قال لي : أنت حكيم قد جاء من عند حكيم . هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد وأرسل معك ببذرقة (حاشية حراس) يبذرونك إلى مأمنك،قال:فأهدي إلى رسول الله r ثلاث جواري منهن أم إبراهيم بن رسول الله r وواحدة وهبها رسول الله r لحسان بن ثابت الأنصاري وأرسل أليه بطرف من طرفهم.
أما نص الكتاب النبوي : إلى المقوقس(16)
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى : المقوقس عظيم القبط، سلام على من أتبع الهدى
أما بعد ، فأني أدعوك بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فأن توليت فعليك أثم القبط
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباًَ من دون الله فأن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون((17).
علامة الختم محمد رسول الله
وهذه صورة لكتاب النبي r للمقوقس
رد المقوقس لمحمد بن عبد الله من المقوقس :
سلام
أما بعد، فقد قرأت كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبياً قد بقي، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسلك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة وأهديت إليك بغله لتركبها .والسلام(18)